قال تعالى : " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " سورة آ عمران ( 180 )
في الدنيا أقل الناس راحة البخيل ، والبخل شامل لكل ما ينبغي للإنسان إنفاقه ولم ينفقه سواء أكان مالاً أم توجيهاً أم عملاً .
يجب أن نعلم أن هناك ذنوباً تضاعفية تجعل النفس أكثر استعداداً بمراحل للإتيان بالذنب نفسه ، وإن كان كل ذنب يسهل الإتيان بآخر ولكن التسهيل هذا متفاوت من ذنب إلى آخر ، والبخل بالجهد والمال على الله هو من هذه الذنوب ، حيث إنه ينمّي حب الدنيا بجميع صورها ويعززه داخل النفس ، وبالمقابل يضعف حب الله والتضحية في سبيل الله ، مطلق التضحية ، فيصبح لديه طاقة سلبية عامة ممكن أن تترجم إلى مطلق أنواع الذنوب . لأن البخل هنا عام " البخل جامع لمساوئ العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كل سوء " ، إذن قد يكون للإنسان أخطاء أو ذنوب ليست هي بخلاً ولكن سببها البخل ، وقد ترى في الظاهر أنها لا علاقة لها بالبخل ، والحقيقة خلاف ذلك . فالبخل قد يجعلك تحقد على من يطلب منك أو من تحتمل أنه سيطلب منك شيئاً ، سيبعدك عن الناس الأقربين أو المشاركة الاجتماعية ما دامت هذه المشاركة قد تكلفك قليلاً من المال ، سيجرك إلى الغيبة والبهتان حتى ، لأنك لا تريد أن تعطي ، سيفكك الأسرة المتطلعة إلى العيش بالمستوى الفعلي لك ، وهكذا .
والأدهى في مسألة البخل هو تصدير البخل ( الذين يبخلون ويأمرون الناسبالبخل )سورة النساء ( 36 ) ، فبعد ممارسة البخل من باب الحفاظ على ما أوتي الإنسان بحيث يؤثر مصلحته على مصلحة المجتمع ، يتعاظم هذا الذنب ، حتى أصبح هذا البخيل يصدره إلى غيره ، فيأمرهم بما فعل من البخل توثيقاً وترسيخاً لمبدئه هو في المجتمع ، فالبخيل لديه رغبة بأن يكون ما اتخذه من مبدأ يعم المجتمع ، فهو بسبب شعوره بالقلق في باطن نفسه لأنه يعلم أنه على خطأ وإن كان في كثير من الأحيان يعطي مبررات لنفسه في سبيل عدم الإنفاق ، إلا أنها مبررات هو يعلم في باطن نفسه إنها زائفة ، فيريد أن يُطغي هذا السلوك على المجتمع كي يشعر بالاطمئنان ، بدعوى أن ما فعله صحيح بسبب شيوعه .
والله سبحانه وتعالى عني عما يجود به هؤلاء ، ولو أجادوا وجادوا فهو لهم ، وإذا كان الله قد سبب سبباً معيناً لصلاح المجتمع وفائدته عن طريق إنسان معين ، فهذا لا يعني أن هذا الإنسان صاحب فضل على الله والمجتمع ، بل هذا يعني إن الله قد تفضل على المجتمع وهذا الفرد بما يضمن لهم منفعة أعظم ، والله قادر أن يسبب أسباباً أخرى لتحقيق هذا الأمر . إذن فالله غني عن الكريم والبخيل في آن واحد .